يؤدي قطاع التعليم العالي في الأردن دوراً كبيراً
ومميزاً في إحداث التنمية الشاملة على مختلف الصعد والمجالات، وقد حقق التعليم
العالي في المملكة خلال السنوات العشرين الماضية تطوراً ملحوظاً في (عهد جلالة
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم) هذا التطور الذي عكس الرؤى الملكية السامية
التي جاءت في كتب التكليف السامي للحكومات الأردنية المتعاقبة، أو من خلال المبادرات
الملكية وأوراق النقاش التي أطلقها جلالته خلال العشرين عام الماضي، نذكر منها على
سبيل المثال لا الحصر الورقة النقاشية السابعة، إضافةً إلى إطلاق الخطة الاستراتيجية
الوطنية للموارد البشرية (2016-2025) والتي تعد بمثابة خارطة طريق للقائمين على قطاع
التعليم العالي بمحاورها الخمسة (توفير فرص عادلة للطلبة المؤهلين، الجودة/رفع معايير
مخرجات الأبحاث العلمية وجودتها ومستوى التدريس والتعلم، المسائلة/تحفيز الجامعات على
تحمل مسؤولية أكبر في تحقيق الأهداف الوطنية، الابتكار/لتمكين تبني أفضل الممارسات
الدولية في التدريس والتعلم،أنماط التفكير/زيادة وعي الجهات المعنية بأهمية التعليم
العالي)، وقد صاحب هذا التطور تنوع في البرامج الدراسية وأنماط التعليم والتعلم
التي تحكم النوع والكم، والتوسع في مؤسسات التعليم العالي، وعلى الرغم من محدودية
الإمكانات المادية والبشرية في المملكة إلا أن التعليم العالي يقع ضمن أولويات
اهتمامات الدولة لما له من دور في الارتقاء بمستوى حياة المواطن الاقتصادية
والاجتماعية والمعرفية.
بدأ التعليم العالي بالأردن بإنشاء دار المعلمين
في عمان عام 1958، بمستوى السنتين بهدف إعداد المعلمين لمدارس وزارة التربية
والتعليم، ثم تتالى إنشاء دور المعلمين، وأصبح يطلق عليها معاهد المعلمين وتطورت
تلك المعاهد لتصبح كليات مجتمع في عقد السبعينات، أما التعليم الجامعي فقد بدأ
بتأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، وفي عام 1989 أسست أول جامعة خاصة وهي جامعة عمان
الأهلية.
لقد أولى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين
(حفظه الله) اهتماماً خاصاً بالتعليم العالي، ووجّه حكوماته المتعاقبة بضرورة
الاهتمام بالتعليم العالي وتطويره، حيث تم في عهده إنشاء العديد من الجامعات
الرسمية والخاصة، فضلاً عن الجامعات الأجنبية العاملة في الأردن والبرامج المنبثقة
عن اتفاقيات تعاون بين الأردن وجامعات أجنبية إضافة الى برامج الجامعات الأردنية
في عدد من جامعات الدول العربية الشقيقة. وشهد قطاع التعليم العالي في الأردن خلال
العقدين السابقين تطوراً ونمواً ملحوظين تؤكده الزيادة في عدد مؤسسات التعليم
العالي وأعداد الطلبة المسجلين وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء الهيئة الإدارية
والزيادة في حجم الإنفاق والدعم الحكومي لهذا القطاع التعليمي الهام إذ بلغ عدد
الجامعات الرسمية عشر جامعات وسبع عشر جامعة خاصة، وأربعة وأربعون كلية
جامعية وكلية مجتمع، بالإضافة إلى جامعة إقليمية واحدة، وجامعتين مُنشأتين بقانون
خاص، هذا التطور في أعداد
الجامعات صاحبه زيادة في أعداد الطلبة الدراسيين فيها حيث تقدر أعداد الطلبة
الملتحقين في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة لمختلف البرامج والدرجات بحوالي (342)
ألف طالب وطالبة، منهم أكثر من (42) ألف طالب وطالبة من دول عربية وأجنبية كما وإن
الاعتزاز بهذا التوسع والنمو يضعنا أمام تحديات جمة تدعونا جميعاً إلى بذل المزيد
من الجهد لتذليل الصعاب والعقبات التي تقف أمامنا لتحقيق التوازن بين انتشار
التعليم العالي وإنشاءه من جهة، وبين مستواه ومحتواه من جهة أخرى.
هذا ونتيجة للتطورات التي حدثت في قطاع التعليم
العالي، وللمحافظة على نوعية التعليم العالي المقدم فقد تطلبت المرحلة القادمة
إعادة النظر في قانون الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة وقانون التعليم العالي،
وبعد صدور القانون الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي رقم (17) لسنة 2018 وقانون
الجامعات الأردنية رقم (18) لسنة 2018, أصبحت بموجبه الجامعات الأردنية تتمتع
بمزيد من الاستقلالية في الشؤون الإدارية والمالية.
لقد أولت الوزارة اهتماماً خاصاً بالتعليم العالي
كي يتصدر أولوياتنا الوطنية، وانصب هذا الاهتمام على متابعـة تنفيـذ الإستراتيجيـة
الوطنيـة لقطـاع التعليـم العالي والبحـث العلمي للسنوات (2014- 2018 ) للمحافظة
على الصورة المشرقة للتعليم والتعليم العالي ومخرجاته وتعزيز مقدرته التنافسية
وتمكينه من استيعاب أكبر عدد ممكن من شبابنا في جامعاتنا الأردنية، وفق منظـومـة
أهداف تنسجم والأهداف الوطنية.
وبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت مسيرة
التعليم العالــي في الأردن، إلا أنه تمكن مـن تحقيق إنجازات كمية ونوعية في هذا
القطاع حيث تم وضع الإجراءات المناسبـة لتحـسين دوره ليحقق نقلة نوعية ذات جودة
عالية تتناسب والتطورات الحديثة التي استوعبتهــا المؤسسات التعليمية الأردنية وبفضل
المبادرات المتنوعة للحد من قوة هذه التحديات وإضعافها وتحويلها لتحقيق
الإستراتيجية الوطنية الشاملة لقطاع التعليم العالي في الأردن.
هذا وقد أظهرت مؤشرات الأداء الرئيسة في
إستراتيجية التعليم العالي نمواً وتطوراً ملحوظين من خلال نسبة الالتحاق بالتعليم
العالــي للذكور والإناث في برامج القبول العادية، وبرامج التعليم الموازي، إضافة
إلى الزيادة المطردة في أعضـاء الهيئة التدريسية والدعم الحكومي المقدم لمؤسسات
التعليم العالي الرسمية والإقبال على التوسع في الجامعـات الخاصــة (القطاع
الخاص)، للمشاركة في تحمل أعباء ومسؤوليات التعليم بالشراكة مع القطاع الحكومي،
وإنشاء هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضبط جودتها لضبط الجودة في مؤسسات
التعليم العالي العامة والخاصة لتنسجم والمعايير الدولية، وتحديث المكتبات
الجامعية وربط كافة مؤسسات التعليم الـعالـي بشبكة الدوريات الإلكترونية وشبكة
الجامعات.
يضاف إلى ذلك دمج صندوق دعم البحث العلمي
والابتكار تحت مظلة الوزارة، والذي يعمل على تفعيل وتطوير ودعم البحث العلمي التطبيقي،
والنهوض بالمشاريع الابتكارية والريادية، وتحفيز الفكر الإبتكاري والريادي في ثقافة
المجتمع، والربط الفعال بين قطاعي الصناعة والتعليم، والعمل على إيجاد حلول ابتكارية
وريادية لما يستجد من مشكلات والمساهمة في إنتاج المعرفة.
وكذلك حددت الوزارة أسماء الجامعات العربية
والأجنبية المعترف بها كإجراء للحفاظ على نوعية التعليم العالي في الأردن وجعل
مؤسسات التعليم العالي الأردنية منارات إشعاع فكري، والربط ما بين مخرجات التعليم
العالي وحاجات سوق العمل لتلبية حاجات الأردن في الحاضر والمستقبل من الكوادر
المؤهلة والمتخصصة في شتى صنوف المعرفة، والتعويض عن نقص الموارد الطبيعية
بالموارد البشرية المحصنة والمؤهلة بالمعرفة والكفاءة، ودفع عملية التنمية
بمفهومها الشامل بتوفير البيئة الأكاديمية والنفسية والاجتماعية الداعمة للإبداع
والتميز والابتكار وصقل المواهب، ليتبوأ الأردن مرتبة مرموقة تنسجم مع مكانته
وموقعه الاستراتيجي مقارنة مع إمكاناته وموارده المادية المحدودة وما يوازيها من
موارد بشرية متطورة ومتميزة في المنطقة توازي ما يتوفر من موارد طبيعية هامة في
البلدان المحيطة.
هذا
وقد أصبح دور الأردن التعليمي دوراً فاعلاً في المنطقة لما عرف عن نظامها التعليمي
من جودة عالية جعله محط أنظار وإعجاب في المنطقة وهذا يعكسه أعداد الطلبة الوافدين
الذين يدرسون في الجامعات الأردنية والبالغ أكثر من 42 ألف طالب وطالبة من 105 دول
حول العالم. إضافة إلى الاستقطاب الكبير لخريجي الجامعات الأردنية للعمل في
المؤسسات والدوائر العامة والخاصة العربية والإقليمية.