يؤدي قطاع التعليم العالي في الأردن دوراً كبيرا ومميزاً في إحداث التنمية الشاملة على مختلف الصعد والمجالات، وحقق التعليم العالي في المملكة خلال السنوات التسعة عشر الماضية تقدماً ملحوظاً في (عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين) من حيث تنوع البرامج الدراسية وأنماط التعليم والتعلم التي تحكم النوع والكم، والتوسع في مؤسسات التعليم العالي وعلى الرغم من محدودية الإمكانات المادية والبشرية في المملكة إلا أن التعليم العالي يقع ضمن أولويات اهتمامات الدولة لما له من دور في الارتقاء بمستوى حياة المواطن الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.
بدأ التعليم العالي بالأردن بإنشاء دار المعلمين في عمان عام 1958، بمستوى السنتين بهدف أعداد المعلمين لمدارس وزارة التربية والتعليم، ثم تتالى إنشاء دور المعلمين، وأصبح يطلق عليها معاهد المعلمين وتطورت تلك المعاهد لتصبح كليات مجتمع في عقد السبعينات، أما التعليم الجامعي فقد بدأ بتأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، وفي عام 1989 أسست أول جامعة خاصة وهي عمان الأهلية.
لقد أولى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين (حفظه الله) اهتماماً خاصاً بالتعليم العالي، ووجّه حكوماته المتعاقبة بضرورة الاهتمام بالتعليم العالي وتطويره، حيث تم في عهده إنشاء العديد من الجامعات الرسمية والخاصة، فضلاً عن الجامعات الأجنبية العاملة في الأردن والبرامج المنبثقة عن اتفاقيات تعاون بين الأردن و جامعات أجنبية إضافة الى برامج الجامعات الأردنية في عدد من جامعات الدول العربية الشقيقة. وشهد قطاع التعليم العالي في الأردن خلال العقدين السابقين تطوراً ونمواً ملحوظين تؤكده الزيادة في عدد مؤسسات التعليم العالي وإعداد الطلبة المسجلين وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء الهيئة الإدارية والزيادة في حجم الإنفاق والدعم الحكومي لهذا القطاع التعليمي الهام إذ بلغ عدد الجامعات الرسمية عشر جامعات وعشرون جامعة خاصة وواحد وخمسين كلية مجتمع متوسطة، بالإضافة إلى جامعة العلوم الإسلامية العالمية والجامعة العربية المفتوحة، هذا التطور في أعداد الجامعات صاحبه زيادة في إعداد الطلبة الدراسيين فيها حيث تقدر أعداد الطلبة الملتحقين في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة لمختلف البرامج والدرجات بحوالي (276) ألف طالب وطالبة، منهم (40) ألف طالب وطالبة من دول عربية وأجنبية كما وإن الاعتزاز بهذا التوسع والنمو يضعنا أمام تحديات جمة تدعونا جميعاً إلى بذل المزيد من الجهد لتذليل الصعاب والعقبات التي تقف أمامنا لتحقيق توازناً بين انتشار التعليم العالي وإنشاءه من جهة وبين مستواه ومحتواه من جهة أخرى.
هذا ونتيجة للتطورات التي حدثت في قطاع التعليم العالي للمحافظة على نوعية التعليم العالي المقدم تطلبت المرحلة القادمة إعادة النظر في قانون الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة وقانون التعليم العالي، وبعد صدور القانون الجديد للتعليم العالي رقم (23) لسنة 2009 وقانون الجامعات الأردنية رقم (20) لسنة 2009, أصبحت بموجبه الجامعات الأردنية تتمتع بمزيد من الاستقلالية في الشؤون الإدارية والمالية.
لقد أولت الوزارة اهتماماً خاصاً بالتعليم العالي كي يتصدر أولوياتنا الوطنية، وانصب هذا الاهتمام على متابعـة تنفيـذ الإستراتيجيـة الوطنيـة لقطـاع التعليـم العالي والبحـث العلمي للسنوات (2018-2014) للمحافظة على الصورة المشرقة للتعليم والتعليم العالي ومخرجاته وتعزيز مقدرته التنافسية وتمكينه من استيعاب اكبر عدد ممكن من شبابنا في جامعاتنا الأردنية، وفق منظـومـة أهداف تنسجم والأهداف الوطنية.
وبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهت مسيرة التعليم العالــي في الأردن، إلا انه تمكن مـن تحقيق إنجازات كمية ونوعية في هذا القطاع حيث تم وضع الإجراءات المناسبـة لتحـسين دوره ليحقق نقلة نوعية ذات جودة عالية تتناسب والتطورات الحديثة التي استوعبتهــا المؤسسات التعليمية الأردنية و بفضل المبادرات المتنوعة للحد من قوة هذه التحديات وإضعافها وتحويلها لتحقيق الإستراتيجية الوطنية الشاملة لقطاع التعليم العالي في الأردن.
هذا وقد أظهرت مؤشرات الأداء الرئيسة في إستراتيجية التعليم العالي نموا وتطورا ملحوظين من خلال نسبة الالتحاق بالتعليم العالــي للذكور والإناث في برامج القبول العادية، وبرامج التعليم الموازي، إضافة إلى الزيادة المطردة في أعضـاء الهيئة التدريسية والدعم الحكومي المقدم لمؤسسات التعليم العالي الرسمية والإقبال على التوسع في الجامعـات الخاصــة (القطاع الخاص)، للمشاركة في تحمل أعباء ومسؤوليات التعليم بالشراكة مع القطاع الحكومي، وإنشاء هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي لضبط الجودة في مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة لتنسجم والمعايير الدولية، وتحديث المكتبات الجامعية وربط كافة مؤسسات التعليم الـعالـي بشبكة الدوريات الإلكترونية وشبكة الجامعات.
يضاف إلى ذلك إنشاء صندوق دعم للبحث العلمي والذي يقدم دعما للمشاريـع ذات ألأولويات والوطنية ومنحا لطلبة الدراسات العليا المتفوقين أكاديميا، وانتشار مراكز التنمية المهنية، وتقديم جـائزة البحث المــميز والباحــث المميز، والطالب المميز.
وكذلك حددت الوزارة أسماء الجامعات العربية والأجنبية المعترف بها كإجراء للحفاظ على نوعية التعليم العالي في الأردن وجعل مؤسسات التعليم العالي الأردنية منارات إشعاع فكري، والربط ما بين مخرجات التعليم العالي وحاجات سوق العمل لتلبية حاجات الأردن في الحاضر والمستقبل من الكوادر المؤهلة والمتخصصة في شتى صنوف المعرفة والتعويض عن نقص الموارد الطبيعية بالموارد البشرية المحصنة والمؤهلة بالمعرفة والكفاءة، ودفع عملية التنمية بمفهومها الشامل بتوفير البيئة الأكاديمية والنفسية والاجتماعية الداعمة للإبداع والتميز والابتكار وصقل المواهب، ليتبوأ الأردن مرتبة مرموقة تنسجم مع مكانته وموقعه الاستراتيجي مقارنة مع إمكاناته وموارده المادية المحدودة وما يوازيها من موارد بشرية متطورة ومتميزة في المنطقة توازي ما يتوفر من موارد طبيعية هامة في البلدان المحيطة.
هذا وقد أصبح دور الأردن التعليمي دورا فاعلا في المنطقة لما عرف عن نظامها التعليمي من جودة عالية جعله محط أنظار وإعجاب في المنطقة وهذا يعكسه أعداد الطلبة الوافدين الذين يدرسون في الجامعات الأردنية والبالغ قرابة 40 ألف طالب وطالبة من مختلف دول العالم. إضافة إلى الاستقطاب الكبير لخريجي الجامعات الأردنية للعمل في المؤسسات والدوائر العامة والخاصة العربية والإقليمية.